کد مطلب:239488 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:128

الناس لم یبایعوا المأمون کلهم بعد
و بعد كل ما تقدم .. فان من الأهمیة بمكان، أن نشیر هنا، الی أن العلویین ، و قسما كبیرا من الناس، بل و عامة المسلمین، لم یكونوا قد بایعوا المأمون أصلا :

فأما أهل بغداد ؛ فحالهم فی الخلاف علیه أشهر من أن یذكر، و قد قدمنا فی أول هذا الفصل عبارته فی رسالته، التی كان قد أرسلها للعباسیین فی بغداد..

و أما أهل الكوفة - التی كانت دائما شیعة علی و ولده - فلم یبایعوا له، بل بقوا علی الخلاف علیه، الی أن ذهب أخوا الامام الرضا (ع) !! العباس بن موسی ، یدعوهم، فقعدوا عنه، و لم یجبه الا البعض منهم؛ و قالوا : « ان كنت تدعو للمأمون، ثم من بعده لأخیك ؛ فلا حاجة لنا فی دعوتك، و ان كنت تدعو الی أخیك، أو بعض أهل بیتك، أو الی نفسك ؛ أجبناك .. » [1] .

و یلاحظ هنا : كیف قد اختیر رجل علوی، و أخو الامام الرضا (ع) بالذات، لیرسل الی الكوفة، المعروفة بالتشیع للعلویین .. و یلاحظ أیضا : أن رفضهم الاستجابة له، انما كان لأجل أن الدعوة تتضمن الدعوة للمأمون العباسی .

و أما أهل المدینة، و مكة، و البصرة، و سائر المناطق الحساسة فی



[ صفحه 189]



الدولة، فقد تقدم ما یدل علی حقیقة موقفهم منه، و من نظام حكمه .. و قد كتب المأمون نفسه بخط یده، فی وثیقة العهد للامام یقول: « .. و دعا أمیرالمؤمنین ولده، و أهل بیته، و قواده، و خدمه ؛ فبایعوا مسارعین ... الی أن قال : فبایعوا معشر أهل بیت أمیرالمؤمنین، و من بالمدینة المحروسة ، من قواده، و جنده، و عامة المسلمین لأمیرالمؤمنین، و للرضا من بعده، علی بن موسی .. » و الوثیقة مذكورة فی أواخر هذا الكتاب .

فقوله : « لأمیرالمؤمنین، و للرضا من بعده .. » یدل دلالة واضحة علی أن عامة المسلمین ما كانوا قد بایعوا بعد : « لأمیرالمؤمنین »، فضلا عن : « أهل المدینة المحروسة .. ».

و حتی لو أنهم كانوا قد بایعوا له ؛ فان بیعتهم هذه، وجودها كعدمها ؛ اذ أن عصیانهم، و تمردهم علیه، و علی حكمه، لم یكن لیخفی علی أحد .. بعد ما قدمناه من ثوراتهم تلك، التی كانت تظهر من كل جانب و مكان، و كان كلما قضی علی واحدة منها تظهر أخری داعیة لما كانت تدعو الیه تلك، أی الی : « الرضا من آل محمد »، أو الی أحد العلویین، الذین یشاهد المأمون عن كثب قدرتهم، و قوتهم، و نفوذهم الذی كان یتزاید باستمرار یوما عن یوم .. و لم تستقم له فی الحقیقة سوی خراسان ..

نعم بعد أن عاد الی بغداد، و كان قد قوی أمره، و اتسع نفوذه، بدأ الناس یبایعونه فی الافطار، و یتعللون بأن امتناعهم انما كان ظاهریا، و أنهم كانوا فی السر معه، و علی ولائه، علی ما صرح به الیعقوبی فی تاریخه ..



[ صفحه 190]




[1] الكامل لابن الأثير ج 5 ص 190، و تجارب الامم ج 6 المطبوع مع العيون و الحدائق ص 439 . و في تاريخ الطبري ج 11 ص 1020، طبع ليدن، و تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 248 : أنه قد أجابه قوم كثير منهم، و لكن قعد عنه الشيعة و آخرون .. لكن ظاهر حال الكوفة التي كانت دائما شيعة علي و ولده هو أن المحبين له كانوا قلة .. كما ذكر ابن الأثير.